تعتمد أساليب إنقاص الوزن التقليدية على تقليل الداخل من السعرات الحرارية عن المفقود بشكل أو بآخر، لتكون بذلك واضحة في هدفها المحوري، وهو إنقاص وزن الجسد كهدف قريب، باعتباره طريقا للسواء الجسدي والاجتماعي. بينما نجد الأساليب السلوكية الحديثة للتعامل مع مشكلة البدانة تضع السواء النفسي الجسدي والاجتماعي هدفا مبدئيا، وإن كان على المدى البعيد، وبالتالي تصبح الأساليب السلوكية المعرفية مدعية إذا أوهمت متبعيها بتحقيقها لنتائج سريعة ملموسة ودائمة في إنقاص الوزن، لكنها واقعية في ادعائها إعطاء زبائنها نظرة أخرى وموقفا آخر من العلاقة بين الأكل والجسد، ويتم ذلك من خلال تغيير المفاهيم وتحديد السلوكيات المعززة للبدانة من أجل تحويلها تدريجيا وإلى الأبد -وليس لفترة محدودة بوقت البرنامج- فذلك هو الشرط لكي يكون ممكنا أن تفقد وزنا بلا رجعة، وبالتالي فإن فقد الوزن الناجح والمستديم لا يكون إلا من خلال عملية تغيير سلوكية مركبة وغير محدودة بوقت البرنامج.
وعلى هذا فإن الافتراضات المبدئية لبرامج العلاج السلوكي لإنقاص الوزن تتلخص في إمكانية تغيير وزن الجسد من خلال تغيير عادات الأكل والتريض، وهذه العادات حسب الفهم السلوكي هي سلوكيات متعلمة وقابلة للتغيير، وإن كانت تحتاج لتغييرها على المدى الطويل إلى تغييرات في بيئة الشخص الذي نريد تغيير عاداته، وفي حين تبين الدراسات الحديثة أن نتائج البرامج التقليدية لفقد الوزن لا تتجاوز حالاتها الناجحة على المدى الطويل 3% أو أقل على مستوى العالم، فقد بينت دراسات عديدة أخرى أن البرامج السلوكية لإنقاص الوزن تستطيع إحداث نقص يعادل 10% من الوزن المبدئي خلال فترة تتراوح بين 4 أشهر وسنة كاملة، وإن كان الحفاظ على الوزن الجديد يحتاج إلى استمرار العلاقة مع المعالج واستمرار الالتزام بالسلوكيات المتعلمة مع عدم العودة إلى عادات الأكل والتريض القديمة.
البرنامج.. مراحل وخطوات:
ويبدأ البرنامج السلوكي المعرفي الناجح لمشكلة البدانة بمرحلة التقييم حيث تلاحظ وتقيم السلوكيات الشخصية لكل فرد، وكلما أديت هذه المرحلة بإحسان تمكن المعالج من وضع أو تفصيل خطة مناسبة ومتوافقة مع الفرد ككيان نفسي قائم بذاته.
ويلي ذلك مرحلة الزخم العلاجي السلوكي حيث يتم خلالها تعديل السلوكيات الخاصة بكل فرد مع متابعة ومراقبة مشتركة بين نفسه وبين المعالج، بحيث يصلان معا إلى أفضل التغيرات السلوكية التي يمكن الحفاظ عليها، ويتم تغيير وتعديل المفاهيم المتعلقة بالأكل والجسد وثقافة الصورة خلال نفس المرحلة عبر جلسات العلاج المعرفي، وتطول هذه المرحلة أو تقصر حسب استجابة وقدرة الفرد، ثم تتبعها بعد ذلك مرحلة الفطام التدريجي، ذلك أن من عوامل نجاح المرحلتين الأولى والثانية أن يشعر الفرد بشيء من الاعتماد النفسي المعرفي على المعالج، وفي المرحلة الثالثة يتم تحميله مسئولية الحفاظ على ما وصل إليه بالتدريج أيضا، ولا يقيم ما تم الوصول إليه بكم فقدان الوزن الحادث وإنما بتغيرات السلوك والمشاعر والآراء تجاه الأكل والجسد. ومرحلة السواء المستمر في العلاقة مع الأكل والجسد هي المرحلة الأخيرة، بحيث تصبح السلوكيات الجديدة في الحياة والتي ينتج عنها انضباط لسلوك الأكل وللعلاقة مع الجسد تمثل جزءا رئيسيا من حياة الشخص اليومية، ومن الممكن أن يجد بعض الأفراد استمرارا في فقد الوزن بينما يجد آخرون الثبات.
أساليب سلوكية للاستمرار:
ويعتبر الهدف المحوري لأي برنامج علاج سلوكي معرفي ناجح على المدى البعيد لمشكلة البدانة أن نعلم الشخص مهارات الحفاظ على سلوكياته الصحيحة الجديدة التي يصاحبها انضباط الأكل والجسد، ويتم ذلك كله من خلال خليط مناسب من الأساليب المختلفة، يأتي على رأسها الأساليب التي تركز على السلوك كمراقبة النفسSelf-Monitoring ويقصد بها تدريب المعالجين على تسجيل ما يتناولونه من طعام خلال اليوم مع الوعي بمحتواه من السعرات الحرارية، إضافة إلى تسجيل المجهود البدني وأنشطة التريض المختلفة مع ما تستهلكه من سعرات حرارية وبذلك يوضع الشخص أمام نفسه ويطلب منه مراقبتها، لكي يزيد من وعيه بما يفعل، ويساعده على اكتشاف السلوكيات الضارة التي قد تكون غائبة عنه خاصة عندما يتم ربط هذه الأنشطة بالأحداث اليومية والمشاعر المصاحبة لسلوكيات الأكل والتريض.
كذلك لا بد من تحديد الهدف حيث يتعلم المعالج كيف يضع لنفسه أهدافا قريبة وممكنة التحقيق وإن كانت أهدافا تتسم بتحدي الذات، كأن يفقد نصف كيلوجرام أسبوعيا، أو أن يزيد من مقدار الوقت الذي يقضيه في التريض، بالإضافة إلى دفع الشخص إلى تصحيح مشكلته السلوكية المتعلقة بالأكل أو التريض بنفسه، وذلك من خلال تبين المشاكل المتعلقة بالوزن، والأسباب السلوكية التي أدت لها، ثم يتم استعراض الخيارات العديدة الممكنة لتصحيح الخطأ فيها، ثم التخطيط والتنفيذ للخيار الأكثر صحية والذي تم الإرساء عليه، مع تقييم النتائج النهائية للتغييرات الممكنة في السلوك، مع تعليم الشخص كيف يواجهُ العقبات ومرات الفشل بالنظر إلى ما تعلم منها واعتبارها خبرة أفادته على أي حال، لا أن يلجأ للوم نفسه ومعاقبتها مثلما يفعل الكثيرون.
الضبط والسيطرة على الضغط:
كذلك من الأساليب المهمة المتبعة لتعليم الشخص مهارات الحفاظ على سلوكياته هو ضبط المثيرات المحيطة بالشخص حيث يتعلم كيف يزيل مثيرات السلوك غير المرغوب فيه، وكيف يعرض نفسه لمثيرات السلوك المرغوب فيه، كأن يتعلم ألا يشتري عبوات الآيس كريم العائلية مثلا، أو أن يضع جهاز التريض في مكان ظاهر في غرفة المعيشة.
بالإضافة إلى التعديل المعرفي المقصود به تغيير الطرق التي عادة ما يفكر بها المتبعون للحمية عندما يفلت زمام الأمور من أيديهم لسبب أو لآخر؛ فهناك مثلا من إذا تناول حبة من فاكهة ممنوعة، قال لنفسه: "إذن أنا ضيعت النظام اليوم"، ولا مانع من التهام 10 حبات من هذه الفاكهة فلا فرق في النهاية، ومثل هذا الشخص يحتاج أن يفكر بطريقة أخرى مثل، لقد أكلت الآن إصبع الموز وكسرت الحمية، لكنني أستطيع أن ألتزم بقية النهار، كما تُعنى أساليب التعديل المعرفي كذلك بتغيير الأفكار والمعتقدات الخاطئة الخاصة بالوزن وبصورة الجسد وكذلك تغيير التوقعات غير الواقعية التي غالبا ما تسبب الإحباط مثل ما دمت لم أستطع إنقاص وزني مثل الآخرين فلن أستطيع، أو مثل: يجب أن أنقص الوزن بصورة أسرع مما يحدث الآن.
ومن أهم أحد الأساليب التي تدمج في خطة هذا البرنامج السلوكي هي السيطرة والتعامل مع الضغوط؛ نظرا لأنه في الكثير من ضحايا البدانة نجد حالتهم مصحوبة بالنزوع إلى الأكل، غالبا ما يكون التعامل الصحيح مع الكرب بملابساته المختلفة يمكن أن يكون بمثابة نزع لفتيل الأزمة (المتمثلة في الانفلات تجاه الأكل)؛ لذا فإن أساليب مكافحة الكرب مهمة جدا كأسلوب تدريبات الاسترخاء، وغيره من أساليب مكافحة الكرب التي تعتمد أساسا على العلاج السلوكي المعرفي لتشتيت ملابسات الانفلات تجاه الأكل.
ولا يغفل هذا العلاج السلوكي أساليب تغيير المُدعمات Changing Reinforcers ومنها تدعيم النفس Self Reinfocement بأن يكافئ الشخص نفسه كلما أفلح في الوصول إلى هدف محدد مسبقا، كأن يدخر ثمن وسيلة المواصلات كلما استغنى عنها بالمشي، ليشتري ثوبا جديدا على سبيل المثال، كذلك التعاقدات المشروطة Contingency Contracts: كأن يوقع المُعالج اتفاقا مع المعالج أو مع أحد أصدقائه أو أفراد عائلته بحيث يشترط فيه الحصول على مكافأة ما فقط إذا نجح في الوصول إلى هدف محدد كوزن معين أو الامتناع عن تناول طعام ما مثلا.
وتضيف بعض البرامج السلوكية نوعا من الدعم الاجتماعي Social Support من خلال الاستعانة بأعضاء الأسرة أو الأصدقاء للحفاظ على دافعية المُعالج للاستمرار في البرنامج أو الحفاظ على ما نجح في تحقيقه من خلال تقديم الدعم، كما أن الانضمام إلى مجموعة علاجية من مجموعات دعم مُنقصي الوزن يساعد كثيرا من الأشخاص ويدعمهم نفسيا.
وتعتبر برامج إنقاص الوزن التي تجمع بين الحمية المنحفة والعلاج السلوكي هي أفضل برامج علاج البدانة نجاحا خاصة من ناحية الحفاظ على النتائج، ومثلما هو الحال في برامج العلاج السلوكي المختلفة فإن أهم نقطة هي اختيار الأساليب المناسبة لكل مريض على حدة، وأما الأساليب التي يتم من خلالها تطبيق مبادئ العلاج السلوكي فهي عديدة وهذا ما يمكن المعالج من اختيار ما يناسب كل حالة على حدة، كما يمكن تطبيق البرنامج بصورة فردية أو جماعية حسب احتياجات كل مريض أيضا.
وقد أظهرت نتائج دراسة تتبعيه حديثة أنه كلما زادت السلوكيات التي يتم تغييرها أو تعديلها إلى سلوكيات أكثر صحة، وكلما تعلم الشخص التحكم المرن في سلوك الأكل، والتعامل مع الكروب، كان أكثر قدرة على الاحتفاظ بما وصل إليه من نتائج بعد 3 سنوات من المتابعة.