غسان كنفاني: كأنك على قيد الشمس
صباح اللقاء الجميل...مع ذكرى نعيشها لأنها على قيد الشمس. مع الحكاية التي رواها غسان وما برحت كوكبا يتشرد مثلنا في الافق البعيد معلقا على سماء الغربه. صار القنديل الصغير يشع بمصل الحياة , يسري فينا ويرسم لجيل تتجدد النكبه فيه... لانه يقبض على كلماتك التي عربشت وتفرعت كدالية أم سعد علي اسطح المخيم , فهي سر الحلم النابض والصاعد معنا نحو ألوان قوس قزح.
لم اعترف يوماً الا انك على قيد الحياه...قلت كلمتك على عجل كأنك تستأذن الغياب!... وسيرتك المغلَفة بثوب الكلمات تدفئ ارواحنا البارده و تسير معنا في زواريب المخيم وتلاحقنا في ألعابنا الصغيره, ونحملها في حقائبنا المدرسية، ونتلوها كلما غادرنا شهيد ووجدنا لها متسعا في فرح الاطفال وحزن العجائز وترانيم الامهات ورسائل الهجرات المتتاليه. من خيوط فكرك المتين نسجنا ارواحنا وفعلنا النضالي، ومن نكهة ادبك الانساني لوَنا طعم السياسه .وزيّنا بعطر ابداعك مرارة الهزائم..
هل رأيت كيف تغادر المكان ويصير عطرك أكثر حضورا فيه؟ربما لأنه يسكننا مثلك اللامكان. نحلق في الفضاء وننتشر مع الريح. نملؤ الأمكنه لكن ليس مكاننا. تحملنا كلماتك على أشعة الشمس كلما اغلقت نوافذ الحلم. نمقت الكلمات الهشة والرايات التي لم تعد تخفق والمستبدلة بغير ألوانك البهية.
تماما كأستبدال خيمة بأخرى.. (خيمة عن خيمة تفرق). فالمخيم القابل للتبخر يعاد صياغته على حد السكين ويصهر بلظى النار كي يصير غير المخيم ,كأنه سبب العله وليس العليل !ذاك المتظلل بداليه ام سعد وبندقية سعد وحكايات تحبو على افئدة الذاكرة. سخرت يوما بقولك (انها مادة سياحيه ) ..علنا نحترق لنسبك من جديد ليس لهفا لاقتران الشوق مع الحبيب ، بل مشهد النازح يقتطف من مساحة الارض مأوى ومن هبات المؤسسات منحة بأنتظار عيش مقتضب, تصمم فيه حياتنا بحدائق اصطناعيه تحضرها الابراج...و تهرب منها اسراب الامل وهديل الحمام وتغيب عنها الروح ونبتة خضراء وحكاية نضره و داليه تنبت فيه! ورجال يقرعون جدران فلا يجدونها ,,وبرقوق ينتشر على جسد مثقل بالرصاص! فما جدوى المخيم بلا حالم او عائد الى حيفا؟
تأبى المناسبة أن نستعيدك اليوم, بل تلّح بان نعود اليك. في "الزمن المسخ" . زمن أنتصار الوهم على الحقيقه ومرتين بوصف المنبهرين ! ويحضرنا مقهقها هازئا مقالك السياسي "الدولة المسخ".يوم رفضت القبول بدولة مصغره على مجهر الاحتلال. وحسمت أنه العدو لا يسمح بدوله وطنيه على حدوده وبين احشائه... كي لا ينصر الزيف على الوعي.
غسان ...ماذا تقول عن حكومتين بلا دوله؟ لا ليست مزحة, ربما كوميديا سوداء. حتما ستنفجر ضاحكا من شده الحزن و ماذا ستكتب ان تركنا جنتنا الموعودة على الارض من اجل صراع موهوم في الصعود الى حبل المشنقه. أو لنشطر نصفين بين قديس وأبليس.. نهدي رايتنا في صحراء القحط لأبى الخزيران! ويصير الحوار خوارا, والديمقراطية العتيده حوار بنادق..ستعد معنا الشهداء وتنسى الرصاصات الضاله.
مازال الجرح طري... وعلى شفاه المخيم الجريح نهر البارد تجمعت كل قطرات المطر ..كي تنبت فينا من جديد. لانك مازلت على قيد الشمس رمزا و درسا وحبا ووعدا ...فجيل الانقلاب... النابت كزهر العوسج سياتيك من بوابة الامل ..لن يبصقوا على الواقع بل سيغيرونه...او يبدلوا القضيه، بل من اتعبهم حملها وغيروا معناها وصبغوها بالالوان الكالحه. كي يولد الوطن من لب الشمس وصلب رجالها.
غسان لا تحزن...بل اشهد اننا نعدك بلقاء أجمل ,فما زلنا على قيد الحياه ومعك على قيد الحرية وقيد الشمس..